يشُنّ الحوثيون هجوماً ضارياً على محافظة مارب النفطية، آخر معاقل الحكومة المعترف بها دولياً في شمال البلاد، منذ مطلع الأسبوع الثاني من فبراير الجاري، في تصعيدٍ هو الأكبر ويأتي مباشرةً بعد إعلان الولايات المتحدة شطبهم من قوائم المنظمات الإرهابية الأجنبية، وبالتزامن مع حراك دبلوماسي بقيادة واشنطن ودعوات أوروبية أممية متكررة لوقف التصعيد العسكري والذهاب نحو حل سياسي شامل للأزمة اليمنية.
وهذه الورقة تُسلِّط الضوء على أهم دوافع هجوم الحوثيين على مارب، والرسائل التي تودّ الجماعة إيصالها للمجتمع الدَّولي ولخصومها وحلفائها على السَّواء، وتستكشف تداعيات هذا التصعيد على الأزمة اليمنية ومسار السلام، وسيناريوهاته المحتملة.
الدَّوافِع
تسعى جماعة الحوثي من وراء هجومها الكبير على مارب في هذا التوقيت إلى تحقيق بعض الأهداف وإرسال بعض الرسائل على النحو الآتي:
التداعيات
يُهدِّد هذا التصعيد الحوثي بتقويض جهود السلام ووأد الحراك الدبلوماسي الذي تبلور مؤخراً بقيادة واشنطن؛ فهو يجعل ملف الحرب في اليمن رهيناً للتجاذبات الإقليمية أكثر من أي وقت مضى، كما أنَّه يُفاقِم حالة انعدام الثقة بين أطراف الصراع اليمني، إذ يشير فشل جولة المحادثات بشأن تبادل الأسرى التي احتضنتها العاصمة الأردنيّة عمّان مؤخراً (في الفترة بين 24 يناير وحتى 21 فبراير 2021) برعاية أممية إلى حالة من الانسداد الشامل في جهود التهدئة التي تسعى الأمم المتّحدة إلى إرسائها أملاً في إفساح المجال أمام مسار السلام. مع ذلك، تظل هناك فرصة لأن يدفع هذا التصعيد بالمجتمع الدولي لتكثيف ضغوطه على أطراف الصراع لاسيما جماعة الحوثي، بما ذلك التوجُّه نحو بلورة خطة للحل الشامل وفرضها عبر مجلس الأمن الدولي.
وعلى الصعيد العسكري، هناك من يرى في هجوم الحوثيين على مارب مؤشراً على سعيهم لاستكمال رسم الحدود الشَّطريّة وبسط سيطرتهم على شمال اليمن (في حدوده ما قبل عام 1990). لكن المؤكد، أنَّ الحوثيين، في حال تمكنَّوا من إسقاط مارب، سيغيرون ديناميكية الصِّراع بأكمله، وبرغم أن هذا أكثر قيمة بالنسبة لهم من أي تسوية سياسية يمكنهم الحصول عليها حالياً، فإنهم على الأرجح لن يتوقفوا عند هذا الحد، ولن يقبلوا بالانخراط في عملية سلام شاملة وخطة مصالحة وطنية طويلة الأمد، فضلاً عن القبول بتحجيم نفوذهم، دون هزيمة عسكرية كبيرة تلحق بهم، ولو بعد حين. وميدانياً، قد ينسحب التصعيد العسكري في جبهات مارب على الجبهات الأخرى، لاسيما جبهات الجنوب والساحل الغربي، كما سيُضاعِف الحوثيون هجماتهم على المملكة العربية السعودية، ما يعني أن الحرب قد تشتعل أكثر ممَّا كانت عليه في العامين الماضيين.
علاوة على ما سبق، يتسبَّب هذا التصعيد في الكثير من القلق الأمني للمواطنين ويعوق تنقلات المسافرين ويعرقل مرور التجارة بين المحافظة والمحافظات المجاورة لاسيما صنعاء، وبالتالي يُفاقم الأزمات الاقتصادية والوضع المعيشي المتدهور في البلاد.
وعلى الصعيد الإنساني والاجتماعي، يضع هذا التصعيد حياة أكثر من مليوني نسمة على المحك، وينذر بحدوث موجة نزوح قد تكون الأكبر منذ تفجر النزاع في اليمن، لاسيما أن مارب تضم عشرات المخيمات، وشكَّلت ملاذاً لمئات الآلاف من النازحين الذين شرَّدهم الحوثيون من المناطق التي أخضعوها لسلطتهم في السابق. فضلاً عن العراقيل والتحديات التي يضعها التصعيد أمام المنظمات الإنسانية وفرق الإغاثة العاملة هناك. وغير ذلك، من المتوقَّع أن يُفاقم التصعيد الراهن حالة التفتت في النسيج الاجتماعي، وعلى سبيل المثال، يسعى الحوثيون إلى خلخلة تماسُك قبائل طوق مارب من خلال شراء ولاءات البعض وتجييشها ضد بعضها الآخر المناهض للحوثيين، ما يُهدد بنسف الاستقرار النسبي الذي حظيت به المحافظة خلال السنوات الماضية.
السيناريوهات المحتملة
حتى الآن، هناك سيناريوهان محتملان للتصعيد العسكري في مارب، أحدهما حَسْم الحوثيين المعركة لصالحهم، والثاني استمرار التصعيد مع تفاوُت وتيرته من وقتٍ لآخر ومن دون إحداث تغيير حاسم في خريطة السيطرة، وهو سيناريو المراوحة.
1. حَسْم الحوثيين المعركة لصالحهم. ويَفترِض هذا السيناريو أن من شأن الدوافع والمحفزات السابق ذكرها إذكاء الحماسة لدى الحوثيين للاستمرار بنفس الزخم في هجومهم على مارب. بل إنَّ النزعة الإيرانية لربط الصراع اليمني بملفاتها المتعثرة قد تكون وحدها كفيلة بجعل الحوثيين يرفعون وتيرة تصعيدهم ويُلقون بكامل ثقلهم في محاولة لحسم المعركة لصالحهم. ويمكن أن يتحقَّق سيناريو كهذا في حالاتٍ منها ضعف الخطط الدفاعية لمناهضي الحوثيين، وقدرة الأخيرين على إحداث اختلالات في صفوف خصومهم أو الاستفادة منها ومفاقمتها، بما في ذلك توجيه ضربات قوية لمراكز قيادة عملياتهم وتكتلاتهم، وقطع خطوط الإمداد الرئيسة عنهم جنوبي مارب أو شمالها الشرقي، وتوقُّف الإسناد الجوي من قِبَل قوات التحالف.
2. المراوحة. ويَفترِض هذا السيناريو استمرار التصعيد مع تفاوُت وتيرته من وقتٍ لآخر دون إحداث تغيير حقيقي في خريطة السيطرة على الأرض. وتحقُّق هذا السيناريو يقتضي تماسُك خصوم جماعة الحوثي واستماتتهم في الدفاع عن المدينة، وتكثيف الطيران السعودي ضرباته الجوية، والمراهنة على عنصر الوقت لاستنزاف مقاتلي الجماعة واستنفاد معنوياتهم وكبح اندفاعتهم. وبالرغم من الدوافع الكبيرة والتَّطور الحاصل في استراتيجية الحوثيين الهجومية إلَّا أنَّ خياراتهم قد تكون في تراجُع وتواجه نفس العراقيل السابقة، ويُفسِّر ذلك لجوءهم إلى أسلوب الترغيب للقبائل وأفراد الجيش والسكان في مارب، عبر طرح جملة تعهُّدات وضمانات كـ "العفو عنهم وعدم ملاحقتهم أو المساس بأملاكهم ومصالحهم، والإبقاء على وظائفهم، وتمكينهم من إدارة شؤون المحافظة، وتخصيص نسبة 70% من عائدات [منشأة] صافر [النفطية] لصالحها".
وإجمالاً، تشير المعطيات المتوافرة إلى أن فرص تحقُّق السيناريو الثاني هي الأعلى في المدى القريب. فعلى الرغم من أهمية الحسم العسكري في معركة مارب، لكونها فاصلة ومصيرية بالنسبة لكل الأطراف، إلاَّ أن ذلك هو نفسه ما قد يؤخِّر الحسم عسكرياً فيها ويجعله في المرتبة الثانية، لاسيما أن المعركة تأتي على وقع حراك دبلوماسي دولي وفي إطار الترتيبات السياسية التي تقودها الإدارة الأمريكية الجديدة على المستويين اليمني والإقليمي، حتى وإن عنى ذلك أنَّها ستأخذ وقتاً أطول قبل إنضاج أي تفاهمات حول اليمن.
خلاصة واستنتاجات
بلال عبد الله | 13 أبريل 2021
مركز الإمارات للسياسات | 21 مارس 2021
شريف أبو الفضل | 09 مارس 2021