تصاعدت مؤخراً وتيرة النزاع بين السودان وإثيوبيا حول منطقة الفشقة الحدودية، وهو خلاف قديم بدأ منذ القرن الماضي. وتُحاول هذه الورقة تحليل واستشراف مآلات التصاعُد في النزاع الحدودي بين البلدين الأفريقيين الجارين، في ضوء الآليات التي اعتمدها الطرفان لإدارة النزاع بينهما خلال عام 2020.
تطوُّر النزاع السوداني-الإثيوبي حول منطقة الفشقة
تكررت الاضطرابات العسكرية بين السودان وإثيوبيا بمناطق الفشقة الحدودية في ظل عدم ترسيم الحدود بين البلدين بشكل كامل. وعلى مدار سنوات، استثمر مواطنون إثيوبيون هذه الوضعية السائلة في زراعة مساحات واسعة من أراضي الفشقة دون موافقة الجانب السوداني[1]. ولم تتوقف الاضطرابات رغم اعتراف رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي آبي أحمد بمخرجات اتفاق 1972 بين حكومتي البلدين الذي يقضي بتبعية المنطقة للسودان[2]. ويتهم السودان الجيش الإثيوبي بدعم جماعات مُسلحة إثيوبية تُدعى "الشفتا" في القيام بأعمال خطف ونهب لمُزارعين سودانيين، بغرض إبعادهم عن المنطقة لصالح عناصر قبائل الأمهرا الإثيوبية.
وشهد شهر ديسمبر الجاري تصاعُداً خطيراً في الاضطرابات العسكرية بين الدولتين بعد قيام الجيش السوداني بتعزيز وجوده العسكري في أجزاء من منطقة الفشقة الصغرى، بذريعة تأمين الحدود من تبعات العملية العسكرية التي شنتها الحكومة الإثيوبية ضد قوات إقليم التيجراي؛ ما قاد إلى تكرار الاحتكاكات العسكرية بين الجيش السوداني وجماعات "الشفتا". وقام الأول باتهام نظيره الإثيوبي بدعم "الشفتا" في شنّ عملية عسكرية ضده أدت إلى مقتل أربعة أفراد من الجيش السوداني، وأعقب ذلك قيام قوات سودانية بالتوغُّل داخل أراضي الفشقة الصغرى، و"استعادة" 80% من الأراضي محل النزاع بحسب تصريحات الفريق خالد عابدين الشامي، نائب رئيس هيئة الأركان-عمليات في الجيش السوداني.
الآليات التي اعتمدها السودان في إدارة النزاع
لجأ الجانب السوداني مؤخراً إلى استخدام آليات عدة في إدارة نزاعه الحدودي مع إثيوبيا، بهدف دفع أديس أبابا نحو تفعيل ترسيم الحدود وإبعاد ميليشيات الشفتا من منطقة الفشقة، وأهم هذه الآليات:
الآليات التي اعتمدتها إثيوبيا في إدارة النزاع
في المقابل، اعتمدت الحكومة الإثيوبية على الآليات التالية:
المآلات المُحتملة للنزاع
في ضوء ما سبق، من المتوقع أن ينحو النزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا مستقبلاً باتجاه أحد المسارات المحتملة الآتية:
1. التوصُّل إلى حلٍّ نهائي للنزاع: قد يقبل الجانب الإثيوبي بإجراء ترسيم نهائي للحدود في حال ضمانه الحفاظ على مصالح قبائل الأمهرا، ويرتهن ذلك باتفاقه مع السودان على تقنين أوضاع مُزارعي القبيلة، بالتوازي مع تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني بين البلدين بهدف تيسير وتأمين حركة انتقال الأفراد عبر الحدود.
2. التهدئة المؤقتة: من المُحتمل أن يتجه البلدان إلى تجميد النزاع عند الوضع الراهن، والاتفاق على إطلاق عملية طويلة الأمد لترسيم الحدود، والاتفاق على تشكيل قوات أمنية مشتركة لضبط الأمن على الحدود؛ وبذلك يحفظ الجيش السوداني مكتسباته الميدانية الأخيرة بشكل يدعم شعبيته محلياً، وتتحاشى الحكومة الإثيوبية احتمال الإضرار بمصالح الأمهرا. بيد أن هذا المسار قد يقود إلى تصعيد النزاع مجدداً في حال تجدَّدت الاحتكاكات العسكرية.
3. المواجهة العسكرية: ربما ينزلق جيشا البلدين إلى مواجهة عسكرية مفتوحة نتيجة لتكرار الاشتباكات العسكرية، ولا يرغب الطرفان في هذا المسار بسبب تداعياته الخطرة على الاستقرار المحلي والإقليمي.
وبالموازنة بين المسارات المطروحة، يعد مسار التهدئة المؤقتة هو الأكثر ترجيحاً لانخفاض المخاطر الناتجة عنه لكلا الجانبين مُقارنة ببقية المسارات، يليه مسار التوصُّل إلى حلٍّ نهائي للنزاع، بينما يعد مسار المواجهة العسكرية مُستبعداً نسبياً في المستقبل القريب.
خلاصة واستنتاجات
في ظل تركيز الحكومة الإثيوبية على عمليتها العسكرية ضد قبائل التيجراي الإثيوبية؛ عَمد السودان إلى تحسين موقفه التفاوضي على صعيد النزاع الحدودي مع إثيوبيا، وقام بتعميق وجوده العسكري في أراضي الفشقة المُتنازع عليها بين البلدين. وحاول الجانب الإثيوبي تقويض فُرَص نجاح التحركات السودانية حرصاً على مصالح قبائل الأمهرا. وقادت هذه التطورات إلى إعادة إلقاء الضوء على ملف ترسيم الحدود بين البلدين؛ بشكل قد يقود إلى وضع حل نهائي للنزاع، أو تعزيز الوجود العسكري السوداني بالمنطقة على أدنى تقدير.
الهوامش
[1] تبلغ مساحة الفشقة 251 كم2، وتنقسم إلى الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى، وهذه المناطق خصبة زراعياً لوقوعها بجوار نهر عطبرة. وتتاخم الفشقة الصغرى إقليم الأمهرا الإثيوبي.
[2] "نزاع الحدود بين السودان وإثيوبيا"، 11/6/2020، متاح على الرابط: https://bit.ly/3mT3cMb
[3] "شهيدان من الجيش في اشتباكات على الحدود مع إثيوبيا"، 8/3/2020، متاح على الرابط: https://bit.ly/2WR8gX1
[4] "قوة من الجيش الإثيوبي تتوغل داخل الأراضي السودانية"، 2/4/2020، مُتاح على الرابط: https://bit.ly/3ryYZRo
[5] شملت السيطرة على نقاط مثل جبل أبو طيور الذي يتمتع بأهمية استراتيجية لوقوعه في منتصف أراضي الفشقة الصغرى، كما وصلت القوات السودانية إلى نقاط قريبة من تجمعات سكانية لمزارعي الأمهرا بعد سيطرته على منطقتي خور قلع البان وخور الشد.
[6] "مناقشات لترسيم الحدود المتوترة بين السودان وإثيوبيا"، 22/12/2020، متاح على الرابط: https://bit.ly/34LC3ES
[7] "رئيس هيئة الأركان: لن نغلق حدودنا أمام أي جائع أو متضرر من الحرب"، 22/11/2020، مُتاح على الرابط: https://bit.ly/2WOghfr
[8] "توقيف (هلكا عصار) يُثير بوادر توتر بين السودان وإثيوبيا"، 1/12/2020، متاح على الرابط: https://bit.ly/34PMlUi
[9] "الصراع في تيغراي: السلطات الإثيوبية تعرض مكافأة مالية للقبض على قادة الإقليم المختبئين"، 18/12/2020، متاح على الرابط: https://bbc.in/3pveo3A
[10] "البرهان يتفقد الحدود بعد "كمين إثيوبي".. ومصر تدين وأبي أحمد ينتقد "مثيري الفتنة""، 17/12/2020، مُتاح على الرابط: https://cnn.it/3rzzVd0
[11] "السودان يتهم الجيش الإثيوبي بتكرار الاعتداء على أراضيه"، 28/5/2020، مُتاح على الرابط: https://bit.ly/36KEB5K
[12] "القنصل الإثيوبي بالقضارف: الأوضاع بحدود البلدين غير جيدة"، 9/8/2020. متاح على: https://bit.ly/3rBmtFG
[13] "الجيش يسيطر على 11 مستوطنة إثيوبية داخل السودان وقوات إريترية تتحرك قرب الحدود"، 26/12/2020، مُتاح على الرابط: https://bit.ly/38CJTlk
أحمد عسكر | 13 يناير 2021
شريف أبو الفضل | 29 ديسمبر 2020
مركز الإمارات للسياسات | 22 ديسمبر 2020