يعتبر التضخُّم أحد المؤشرات الأساسية لقياس أداء الاقتصاد الإيراني، وتشير معدلات التضخم الشهري إلى التغيير في سعر البضائع خلال شهر واحد، وهناك معيار بطيء يتمثل في مجموع التضخم خلال 12 شهراً، وهو مؤشر على الأداء السنوي، والمنحى العميق لأداء الاقتصاد. وأعلن البنك المركزي الإيراني أنه يُخطط لحصر التضخم السنوي عند 22 بالمئة (بهامش زيادة أو نقصان بنحو نقطتين مئوية) بعد أن بلغ مستوى 41.2 بالمئة في العام الماضي، مُسجلِّاً واحداً من رقمين قياسيين على مر الأربعة عقود الماضية.
تُناقش الورقة سيناريوهات التضخُّم في إيران، بنسختيه الشهرية والسنوية خلال الأشهر الخمسة المتبقية من العام المالي الإيراني الجاري بالنظر إلى عدة مؤثرات، منها نتيجة الانتخابات الأمريكية، والتطورات الداخلية.
التضخُّم في إيران من خلال الأرقام؛ مقارنة عامين
جاء تقرير البنك المركزي الإيراني بشأن توقعاته بخصوص التضخم في العام الجاري متفائلاً إلى حدّ لافت؛ ويعود هذا التفاؤل إلى تزايد الآمال بأن تخرج إيران من سطوة تأثير العقوبات على أداء الاقتصاد. كما أن التقارير دولية دعمت هذا الاتجاه المتفائل بشكل نسبي؛ إذ أعلن البنك الدولي ضمن تقرير دوري له أن التضخم في إيران سيستقر عند 34.1 بالمئة، ليستقر في العام المقبل عند مستوى 27.1 بالمئة، ثم عند 23 بالمئة في العام الذي يليه في منحى تنازلي يشير إلى توقعات بتحسن الاقتصاد الإيراني خلال العام الجاري، والسنوات المقبلة.
لكن أداء الاقتصاد الإيراني جاء على عكس هذه التوقعات، وذلك تحت وطأة استمرار العقوبات وتدويلها (عبر وضع إيران في القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي FATF) إلى جانب أثر انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد والتبادل التجاري، فكانت النتيجة انهياراً متواصلا في البورصة الإيرانية بلغ 39 بالمئة حتى 26 من أكتوبر، وانهياراً في سعر العملة الإيرانية بأكثر من 100 بالمئة خلال سبعة أشهر.
وانعكس الأداء الاقتصادي على مؤشر التضخم؛ إذ بلغ معدل التضخم الشهري في الشهر السابع من العام الإيراني نحو 7.01 بالمئة (مقارنة بنحو 1.7 بالمئة من التضخم الشهري في الفترة نفسها من العام الماضي) فإن معدل التضخم الشهري خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري استقر عند 3.9 بالمئة، مقابل 1.7 بالمئة للأشهر السبعة الأولى من العام الماضي. وقد أعلن مركز الإحصاء القومي أن مجموع التضخم السنوي خلال العام الجديد بلغ 31 بالمئة حتى الشهر السابع؛ ما يعني أن إيران سجلت هذا المعدل من التضخم السنوي، حتى على افتراض استقرار الأسعار عند هذا المستوى في غضون الأشهر الخمس المقبلة.
واستقر معدل التضخم السنوي خلال 12 شهراً في الشهر السابع من العام الإيراني الجاري عند 41.4 بالمئة، وفق مركز الإحصاء القومي، بعد أن انخفض في الشهر الأول من العام الجاري إلى 19.8 بالمئة ليسجل ارتفاعاً بنحو 13.1 بالمئة مقارنة بالتضخم السنوي المسجل في الشهر نفسه من العام الماضي.
وضمن سياق التضخم الشهري فإن المعدل بلغ في الشهر الرابع من العام الجاري ذروة 6.4 بالمئة بوصفها ثاني أعلى ذروة في غضون ثلاثة عقود من أرقام التضخم الشهري قبل أن يحطم الرقم القياسي خلال العقود الأربعة الماضية مستقراً عند 7.01 بالمئة في الشهر السابع من العام.
وفي سياق التضخم السنوي (مجموع التضخم خلال 12 شهراً) كان اللافت انعكاس المسيرة في العام الجاري، مقارنة بالعام الماضي؛ إذ انخفضت معدلات التضخم السنوي من 51.4 بالمئة في الشهر الأول من العام الماضي إلى 28.3 بالمئة في الشهر السابع من العام ذاته، في إشارة إلى تأقلم الاقتصاد الإيراني مع الظروف بعد موجة تضخم كانت ثاني أقوى موجة خلال أربعة عقود، لكنّ المسيرة انعكست تماماً خلال العام الجاري؛ إذ بينما استقر معدل التضخم السنوي في الشهر الأول عند 19.8 بالمئة، فإن المعدل ذاته بلغ 41.4 بالمئة خلال الشهر السابع من العام نفسه.
مُحدِّدات مستقبلية
على الرغم من أن مؤشرات التضخم في نسختيه الشهرية والسنوية خلال الأشهر الخمسة المتبقية من العام الجاري سيكون تابعاً لعدة مؤثرات، منها نتيجة الانتخابات الأمريكية وتداعياتها على الاقتصاد الإيراني، إلا أن ثمة مؤشرات أخرى تتحكم هي بمجريات التضخم خلال الأشهر الخمسة المقبلة، من أهمها ما يلي:
السيناريوهات
1. السيناريو المتشائم؛ يفترض هذا السيناريو استمرار صعود معدلات التضخم وفق نظام حسابي يحكم معدل التضخم من بداية العام. وضمن هذه الحسابات فإن معدل التضخم الشهري خلال الأشهر الخمسة المقبلة سيكون عند 8.3 بالمئة. ليستقر مؤشر الأسعار عند 389.5 نقطة في الشهر الأخير من العام الجاري، ما يعني بدوره ارتفاعا بنحو 189 نقطة مقارنة بالعام الماضي أو بنسبة تضخم سنوي عند 94.2 بالمئة في نهاية العام الجاري.
2. السيناريو المتفائل؛ يفترض السيناريو هذا أن يستمر معدل التضخم خلال الأشهر الخمسة المقبلة عند مستويات تقارب معدل التضخم الشهري في الأشهر السبعة الأولى من العام (3.9 بالمئة). وفي حال حدث ذلك فإن مجموع الارتفاع في مؤشر الأسعار في الشهر الأخير من العام الجاري سيكون عند 316.3 نقطة (مقارنة بنحو 200.5 نقطة في الشهر الأخير من العام الماضي) ما يعني ارتفاعا بنحو 116 نقطة ليكون معدل التضخم السنوي عند 57.8 بالمئة.
3. سيناريو وسطي؛ أما ضمن سيناريو وسطي يمكن تصور استقرار التضخم الشهري عند معدلات الأشهر الثلاثة الماضية (4.7 بالمئة). ويعني ذلك بلوغ مؤشر الأسعار في الشهر الأخير نحو 327 نقطة ما يمثل ارتفاعا بنحو 116.5 نقطة في المؤشر ليعني ذلك بدوره تضخما سنويا بنحو 64.1 و71.1 بالمئة في الشهرين الأخيرين من العام الجاري.
وبشكل عام، يمكن القول إن هذه التوقعات الثلاثة هي الأنماط الأهم التي تدعمها المعطيات التاريخية، وتقاليد المجال الاقتصادي الإيراني وسلوكياته على مر الأعوام السابقة. ورغم أن يمكن تصور عدة سيناريوهات أخرى استناداً إلى فاعلية مؤثرات أخرى على صعيد الاقتصاد الإيراني، ومن ضمنها احتمال انفتاح أمريكي على إيران بعد فوز المرشح الديمقراطي، جو بايدن، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لكن مع ذلك فإن غالبية السيناريوهات حتى في حال تفاؤلها تشير إلى أن معدلات التضخم السنوية خلال العام الجاري لا تقل عن 50 بالمئة؛ ما يعني بلوغ أكبر نسبة تضخم في العقود الخمسة الماضية. هذا في حين أن السيناريوهات المتشائمة تؤكد احتمال بلوغ معدل التضخم السنوي في الشهر الأول من العام الإيراني المقبل (مارس/أبريل 2021) فوق مستوى 100 بالمئة في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ إيران المعاصر.
مركز الإمارات للسياسات | 02 مارس 2021
مركز الإمارات للسياسات | 28 فبراير 2021
مركز الإمارات للسياسات | 17 فبراير 2021