تعاني حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني في عامها الأخير من أزمات متراكمة؛ منها العقوبات الأمريكية المستمرة منذ أكثر من عامين، وقرار مجموعة العمل المالي الدولية (FATF) وَضْع إيران ضمن قائمتها السوداء، إلى جانب تداعيات انتشار فيروس كورونا، والمؤثرات الأخرى المتمثلة في الخلافات السياسية، والفساد الاقتصادي. وعلى الرغم من هذه الأزمات تحدثت المصادر الحكومية في الأسبوع الأول من أغسطس الماضي (2020) عن مخطط شامل، وصفته بالانفراجة الاقتصادية التي ستترك أثرًا إيجابيًا على الحياة العامة، وتحرك المشاريع التنموية المتوقفة، ليؤكد بعدها رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف أن الأيام المقبلة ستشهد تحركًا إيجابيًا على الصعيد الاقتصادي، لكن سرعان ما تداعت هذه الخطة، أو على الأقل تأجلت. وبغض النظر عن فرص نجاح أو إخفاق هذا المخطط، إلا أنه يحمل في طياته إشارات لافتة إلى احتمال حدوث تطورات سياسية مهمة في إيران في المستقبل القريب.
خلفية وعود الحكومة
تشير الأرقام إلى أن حكومة روحاني تمرّ بوضع غير مستقر على الصعيد الاقتصادي؛ في ظل عجز متوقع في الموازنة يبلغ 33 بالمئة من حجمها وفق مركز البحوث التابع للبرلمان الإيراني، وافتقاد بين 1.5 مليون عامل و3.5 ملايين عامل فرص عملهم في الربيع، إلى جانب أزمة سيولة تجعل قدرات الحكومة على دعم المشاريع العمرانية والاستمرار في تقديم الدعم النقدي، وحتى في تقديم الرواتب، على المحك. بالإضافة إلى التوترات السياسية والاجتماعية، والمتمثلة في ارتفاع معدلات الجريمة وتزايد منسوب الاحتجاجات العمالية وسط توقُّع بعودة الاحتجاجات الشعبية إلى الشارع.
وحاولت الحكومة الإيرانية التشبث بعدة برامج بغية خفض الإنفاق من جهة، وللحصول على مصادر جديدة لسد العجز وتغطية الإنفاق العام، من ضمنها سحب بعض القطاعات من شمول الدولار المدعوم حكوميًا، وبيع المخزون الحكومي من الدولار في الأسواق الحرة (بدلًا عن بيعه بالسعر المعتمد في الموازنة)، والتعويل على سوق الأسهم في بيع الأصول الحكومية، والاعتماد على الضرائب الناجمة عن المعاملات في سوق الأسهم، إلى جانب توزيع الأوراق والسندات المالية؛ ليوفر لها مجموع ذلك ما بين 60 و70 ألف مليار تومان حتى الآن، وفق مصادر مستقلة، وهو مبلغ لافت دون أن يستطيع أن يغطي حجم العجز المتوقع الذي تفاقم بفعل قرارات دعم الاقتصاد بوجه تداعيات انتشار فيروس كورونا.
وتجلَّت تداعيات مجموع تلك المؤثرات في توقعات بنمو سلبي يتجاوز 7 بالمئة وفق توقعات مراكز دراسات رسمية، ومعدل تضخم شهري عند أعلى مستويات تاريخية (تضخم بنحو 6.9 بالمئة، وهو ثاني أعلى معدل تضخم شهري في أربعة عقود)، ومعدلات قياسية في ارتفاع السيولة (إذ بلغت نسبة الارتفاع نحو 7.3 بالمئة خلال الربيع). وقد أخفقت كل المخططات الحكومية السابقة في سد العجز وتقليص الإنفاق العام.
وفي حين أن الحكومة الإيرانية لم تعلن بشكل رسمي حتى الآن عن تفاصيل مخططها الشامل هذا، إلا أن مراكز بحوث ومصادر مطلعة أشارت إلى معالم هذا المخطط، ليتبين أنه لا يهدف في حال نجاحه إلى التأثير المباشر على الحياة اليومية (رغم تداعياته المهمة على هذا الصعيد) بمقدار ما يهدف إلى مساعدة الحكومة لتجاوز أزمتها، ويساعد النظام الإيراني على الصمود فترة إضافية بوجه الضغوط.
معالم المخطط الإيراني لبيع النفط في البورصة المحلية
تشير التوقعات إلى أن مشروع الحكومة الجديد يخطط لبيع 220 مليون برميل من النفط في سوق الأسهم الإيرانية في غضون عام واحد؛ ما يعني بيع 600 ألف برميل من النفط يوميًا للمواطنين. المخطط الذي يشبه توزيع سندات، وبيع أوراق مالية مدعومة بالنفط كضمان لاستيفائها في موعدها المقرر، يؤكد أن الحكومة ستبيع النفط للمواطنين بالسعر اليومي للنفط الإيراني في الأسواق العالمية، على أن يكون السعر المعتمد لصرف الدولار في عملية البيع هذه (السعر المتداول)، وهو ما يقارب سعر السوق إلى حد كبير. هذا وتضمن الحكومة سداد المبلغ بعد عامين من التعاملات وفق السعر اليومي للنفط، والسعر المتداول لصرف الدولار في التاريخ نفسه، مما يمكن أن يضمن للمشترين أرباحًا إضافية في حال ارتفاع سعر النفط الإيراني في الأسواق العالمية، وفي حال ارتفاع السعر المتداول للعملة، وهو ما تؤكد الحكومة أنه يمثل إغراء كبير للاستثمار، خصوصًا وأن الحكومة تؤكد أنه في حال انخفاض أسعار النفط أو انخفاض السعر المتداول فإنها تضمن شراء الأوراق بسعر الشراء مضافاً إليه نسبة أرباح تعادل الحد الأقصى للأرباح البنكية السنوية (نحو 18 بالمئة).
وبذلك سيكون العملاء أمام عملية شراء أوراق تضمن لهم أرباحاً أقلها 36 بالمئة في غضون عامين، حتى في حال انخفاض أسعار الدولار (وهي عملية لم يسبق لها أن حدثت في العقود الأربعة الماضية). وفي حال اعتمدنا الأسعار الحالية للنفط الإيراني (نحو 40 دولاراً) ولصرف الدولار وفق السعر المتداول (نحو 22 ألف تومان للدولار) فإن العملية ستجمع للحكومة سيولة مقدارها 193 ألف مليار تومان خلال 12 شهراً، ونحو 112.5 ألف مليار تومان خلال الأشهر السبعة المتبقية من العام الإيراني الجاري.
تداعيات المخطط والعقبات المحتملة
لا تستطيع الحكومة بدء مخططها الجديد لدعم الموازنة العامة دون موافقة من البرلمان الإيراني، والقائد الأعلى بحكم القوانين، ولكن على افتراض أن الحكومة نجحت في تمرير المخطط فإنه سيترك آثارًا على المجال الاقتصادي في إيران، أهمها ما يلي:
لكن هذا المخطط عموماً يواجه عدة عقبات تحول دون تطبيقه، أهمها الآتي:
الاستنتاجات
أحمد عسكر | 13 يناير 2021
سمير رمزي | 03 يناير 2021
شريف أبو الفضل | 29 ديسمبر 2020