تحولت الفصائل الولائية، المرتبطة بالمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، إلى قوة موازية للدولة العراقية، فضلاً عن طرح نفسها ممثلاً رئيساً للحالة الشيعية في العراق، إلا أن هذا الصعود شابهُ تحديات كبيرة بعد اغتيال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في 3 يناير 2020، إذ ظهرت خلافات ضمن الفصائل الولائية أخذت في تهديد وحدة البيت الولائي من جهة، والاستقرار السياسي والأمني في العراق من جهة أخرى.
استمرت الأزمة البنيوية الاقتصادية في العراق وتبعاتها السياسية، وتجلى ذلك بشكل سافر في إخفاق الحكومة في تأمين رواتب الموظفين. واستناداً إلى تصريحات مظهر محمد صالح، المستشار المالي للحكومة العراقية، فإن "واردات العراق تبلغ حالياً ما يقارب 4 تريليونات دينار عراقي شهرياً، بينما نحتاج إلى 7 تريليونات لتغطية النفقات والرواتب." وانعكس الأمر سياسياً في تأزم العلاقات بين إقليم كردستان والبرلمان العراقي المتوترة أصلاً بسبب الخلاف حول عائدات تصدير النفط.
قبل سبعة أشهر على الموعد المحدد للانتخابات البرلمانية المبكرة، في يونيو 2021، دشَّن التيار الصدري حملتَه الانتخابية بالكشف عن سعيه إلى الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان المقبل وبالتالي امتلاك الحق بتسمية رئيس الوزراء، عبر سلسلة من المواقف المنسقة لزعيم التيار مقتدى الصدر وكبار مساعديه، التي تفاعلت معها الأوساط السياسية والشعبية بمزيج من الحذر والتشكيك، نظراً لما سوف يُحدثه ذلك من تغييرات جذرية في خريطة توزيع النفوذ بين القوى الشيعية الرئيسة، وفي الموازين السياسية العراقية تالياً.
نتيجة للأزمة المالية والسياسية، والتأخر في صرف رواتب الموظفين، ورفْض الكتل الكردية التصويت على قانون الاقتراض الذي أقره مجلس النواب العراقي في نوفمبر الماضي، نزل آلاف المتظاهرين إلى شوارع إقليم كردستان في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 2020. وقام المحتجون بحرق مقار أحزاب في السليمانية، وقطع الطرق بالإطارات المحترقة، في حين قامت الأجهزة الأمنية بحملات قمع واعتقال، واستخدام الرصاص الحي لتفريق المحتجين، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف المحتجين. ورغم أن معظم التظاهرات اقتصرت على محافظتي السليمانية وحلبجة الخاضعتين لسيطرة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، فإنها تشير إلى الخطر المتفاقم الذي قد تتسبب به الأزمة الاقتصادية في عموم الإقليم، وبخاصة أنها تأتي في توقيت يوشك فيه الإقليم الكردي على الانقسام، فيما وصلت الخلافات بين بغداد وأربيل إلى مرحلة الذروة؛ لذا سارع الإقليم إلى إرسال وفد برئاسة قوباد طالباني، نائب رئيس وزراء الإقليم والقيادي في الاتحاد الوطني، إلى بغداد للتوصل إلى حل لقضايا الميزانية والرواتب.
شكَّل العراق أحد أهم الأجندة الغائبة عن سباق الانتخابات الأمريكية هذا العام، وذلك على عكس الانتخابات السابقة التي كان فيها، وتحديداً منذ عام 2003، حاضراً بقوة في المناظرات الرئاسية، أو حتى في تصريحات المرشحين. ويمكن إرجاع هذا الغياب إلى أن العراق قد يمثل قضية سياسة خارجية ثانوية بالنسبة للولايات المتحدة في المرحلة المقبلة، وأن شؤون الشرق الأوسط الأخرى، بما في ذلك الاتفاق النووي الإيراني والصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، تُمثِّل مخاوف أكثر إلحاحاً، وهو ما يطرح تساؤلاً حول مدى أهمية العراق للإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن. وهذه الورقة محاولة لإلقاء الضوء على طبيعة النهج الذي سيتعامل به الرئيس بايدن مع الملف العراقي، وخيارته المستقبلية.
فاجأ رئيسُ الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مختلف القوى السياسية حين أعلن في 31 يوليو الماضي عن عقد الانتخابات المبكرة في السادس من يونيو 2021. ومنذ الإعلان يقود الكاظمي معركةً سياسية خفية مع الكتل الكبرى في البرلمان العراقي حول الانتخابات المبكرة. تُسلِّط هذه الورقة الضوء على دوافع الكاظمي لتحديد موعد الانتخابات المبكرة، ومواقف القوى السياسية من هذه الخطوة، وآفاق عقد الانتخابات المبكرة.
يقف العراق على مفترق طرق بمواجهة تحديات صعبة جداً وخيارات ذات طابع مصيري. فقد كشفت موجة الاحتجاجات التي اندلعت منذ مطلع أكتوبر 2019 عن أزمات بنيوية عميقة، وعن تنامي الإحباط من القوى السياسية الحاكمة، واتساع فجوة الثقة بينها وبين الشارع، وأطلقت عمليةَ صراع مع الطبقة السياسية تضع البلد على احتمالات مفتوحة. كما يُلقي التنافس الإيراني-الأمريكي بظلاله على استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية في داخل العراق، وعلى تحدي تمكين الدولة من احتكار العنف الشرعي وضبط السلاح، حتى تستعيد الدولة سيادتها وهيبتها أمام مجتمعها. ومن ناحية ثالثة تتفاقم الأزمة الاقتصادية في العراق نتيجة لتفشي "وباء "كوفيد-19" وتدهور أسعار النفط، ما يعني أن العراق مضطر لتبني لإجراءات مؤلمة وتصحيحية قد يكون لها تبعات اجتماعية وسياسية.
منذ هزيمة تنظيم "داعش"، في نهاية عام 2017، دخل العراق حقبةً جديدة من تاريخه، خصوصاً أن هذا الأمر تزامن مع إرهاصات لتحولات داخلية وخارجية ستؤثر في مستقبل العراق، وسيكون لها تالياً انعكاسٌ على أمن المنطقة واستقرارها.
تحديد نطاق البحث