هدَّدت جماعة "أنصار الله"/الحوثيين على لسان رئيس ما يُعرف بـالمجلس السياسي الأعلى في صنعاء، صالح الصماد، في 8 يناير الجاري، بإغلاق ممرات الملاحة الدولية في البحر الأحمر. وطبقاً لما نقلته قناة "الميادين" الفضائية، فقد أبلغ الصمادُ نائبَ المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن معين شريم أثناء زيارته لصنعاء مؤخراً، أنه "إذا استمر التصعيد العسكري من قبل دول العدوان باتجاه الحديدة، ووصل الحل السياسي إلى طريق مسدود، هناك خيارات سيتم استخدامها في طريق اللاعودة، ومنها خيارات قطع البحر الأحمر والملاحة الدولية".
تتطرق هذه الورقة إلى أسباب إطلاق هذا التهديد، لاسيما في هذا التوقيت، وردود الفعل المحلية والإقليمية والدولية إزاء هذا التطور اللافت، وتناقش مدى قدرة الحوثيين على تنفيذ هذا التهديد على أرض الواقع.
أولاً: دوافع التهديد الحوثي وردود الفعل عليه
من حيث التوقيت، تزامن إطلاق الحوثيين تهديدهم الأخير مع تطورات محلية وإقليمية مهمة:
فعلى المستوى الداخلي، كانت قوات الحكومة الشرعية ودول التحالف قبل أيام من هذه التصريحات حقَّقت بعض المكاسب الميدانية في الساحل الغربي بعد فترة من الجمود في هذا المحور، فقد تمكَّنت وحداتها القتالية من السيطرة على أول مديرية في محافظة الحديدة الساحلية (وهي مديرية "الخوخة" التي تبعد عن مركز المحافظة 115 كم تقريباً)، ثم التقدم تالياً شمالاً باتجاه مديرية "حيس" المجاورة، وفي أعقاب ذلك أعلن الحوثيون عبر وسائل الإعلام الموالية لهم عن ضبط ما قالوا إنها مركبة بحرية "تجسسية" ذاتية التحكم تابعة لدول التحالف في المياه الإقليمية اليمنية المحاذية لساحل الحديدة، وعرضوا صوراً لجسم السفينة في تسجيل فيديو عبر قناة "المسيرة" الفضائية التابعة لهم.
وعلى الصعيد الإقليمي، تزامنت التهديدات الحوثية الأخيرة مع تصاعد حدة التوتر والخلاف بين إيران من جهة والسعودية والولايات المتحدة من جهة أخرى، خاصة بعد إفصاح واشنطن مؤخراً عن نواياها الرامية لتحجيم حضور إيران ونفوذها على مستوى المنطقة، وخروج مظاهرات في عدد من المدن الإيرانية بعد مضي بضعة أشهر على تصريحات كان ولي العهد السعودي قد توعد فيها بنقل المعركة إلى داخل إيران.
ومن هذا المنطلق فإن إطلاق هذه التهديدات، وفي هذا التوقيت، من جانب الحوثيين ربما يهدف إلى تحذير دول التحالف والمجتمع الدولي من العواقب الوخيمة على أمن وسلامة الملاحة الدولية في حال تم مهاجمة مدينة وميناء الحديدة، فيما يرى بعض المراقبين أن هذه التصريحات تمثل رسالة غير مباشرة من طهران بأنها لن تتخلى عن مناطق نفوذها، والإيحاء أيضاً بأن لديها العديد من الأوراق التي بإمكانها المساومة بها وتحريكها في حال تزايدت الضغوط الخارجية عليها.
أشار المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العربي في تعليقه حول الموضوع إلى أن الحوثيين يقومون حالياً بتدريب مسلحيهم على كيفية استهداف السفن والبوارج الحربية وحاملة الطائرات. ومن جانبه أوضح وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية الدكتور أنور قرقاش، أن تصريح الحوثيين باستهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر وتهديدهم لها توثيقٌ جديد للطبيعة "الإرهابية للمليشيا الحوثية".
أما الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً فقد نددت على لسان المتحدث الرسمي باسمها بتهديدات الحوثيين، واعتبرتها تحدياً للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ودليلاً على تصاعد الخطر الذي تشكله الجماعة ومن خلفها إيران على اليمن، وطالبت المجتمع الدولي بأخذ تهديد الحوثيون على محمل الجد.
والجدير بالملاحظة هنا أن تهديدات الحوثيين بإغلاق ممرات الملاحة في البحر الأحمر لم تلق صدًى كبيراً أو بارزاً على الصعيد الدولي، وربما يعود ذلك إما إلى إدراك الأطراف الدولية بعدم جديتهم في تنفيذ هذه التهديدات أو للاعتقاد بانعدام قدرتهم على القيام بهذه الخطوة، أو الأمرين معاً.
ثانياً: مدى قدرة الحوثيين على إغلاق البحر الأحمر
ثالثاً: الاستنتاجات
إن قيام الحوثيين بإغلاق حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر بشكل كامل أمر من الصعوبة بمكان لأسبابٍ عدة، منها: ضعف قدرات قواتهم البحرية، وبالأخص في الجانب المادي، واتساع مسرح المعركة، وممانعة ورفض القوى الدولية لسيناريو كهذا. ومع ذلك، يمكن القول إن الحوثيين يمتلكون قدرة وإمكانات تُمكِّنهم من تهديد الممرات الدولية المحاذية للسواحل اليمنية الغربية في البحر الأحمر ومضاعفة درجة خطورتها في حال أرادوا، وذلك بحكم وجودهم وتمركزهم في المرتفعات الجبلية المطلة على مضيق باب المندب وعلى امتداد المناطق التي يسيطرون عليها قرب السواحل الغربية للبلاد، ونوعية الأسلحة المتوفرة لديهم، وطبيعة مسرح العمليات في البحر والذي يساعد على المناورة بالقوارب الصغيرة، وتنفيذ الهجمات البحرية المباغتة.
ابتسام الكتبي | 02 فبراير 2021
ابتسام الكتبي | 25 يناير 2021
مركز الإمارات للسياسات | 11 يناير 2021