منذ بدء مرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في الصين في ديسمبر 2019، ثم انتشاره إلى مختلف أنحاء العالم، تعدَّدت استجابات الدول لهذه الجائحة، وبينما تمت الإشادة بنماذج لدول في مواجهة الوباء، مثل الصين وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان والسويد، إلا أنه لم يتم تسليط الضوء على نماذج عربية مميزة في إدارة أزمة مواجهة كورونا، ومن أبرزها نموذج دولة الإمارات الذي تُلقي هذه الورقة الضوء عليه.
النموذج الإماراتي: المحددات والمزايا النسبية
يمكن القول إن دولة الإمارات في إدارة أزمة كورونا اختطت نموذجاً خاصاً بها، فهي لم تسعَ إلى محاكاة النموذج الصيني، ولا غيره من النماذج، إنما اتبعت مسارَها الخاص في إدارة الأزمة، إدراكاً منها لاختلاف نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي عن الدول الأخرى، كما أنها تعلم أن كل دولة تحظى بميزات نسبية توظفها في تحديد قدرات إدارة الأزمة وكيفياتها.
ارتكز النموذج الإماراتي على مجموعة من المحددات التي حكمت استراتيجية مواجهة وباء كورونا، أبرزها:
وعَمِد النموذج الإماراتي في احتواء وباء كورونا إلى توظيف المزايا النسبية التي تتمتع بها دولة الإمارات، ومن أهمها:
عناصر الاستراتيجية الإماراتية
قامت استراتيجية دولة الإمارات في إدارة أزمة كورونا على العناصر الآتية:
لقد أسهمت الاستراتيجية التي اتّبعتها الإمارات في الحد من تفشي مرض فيروس كورونا بشكل كبير؛ فبالرغم من أن تعداد السكان يصل إلى نحو 10 ملايين نسمة، كما أن المجتمع في الإمارات يتسم بتنوع هائل، والدولة منفتحة ومعولمة، إلا أن عدد الإصابات لا يتجاوز 816 فرداً، والوفيات 8 فقط (حتى تاريخ 2 أبريل)، وهو ما يعني أن معدل الوفيات في الدولة أقل من 1 بالمئة، وهو المعدل الذي يَقل كثيراً عن المعدل العالمي الذي هو 3.4 بالمئة. وللمقارنة، نشير مثلاً إلى أن قطر التي يبلغ عدد سكانها ربع سكان الإمارات تقريباً، تزيد الحالات فيها عما في الإمارات، فبحسب وزارة الصحة العامة القطرية تبلغ عدد الحالات المسجلة 835 حالة (حتى 2 أبريل).
التحديات في إدارة أزمة كورونا
بالرغم من نجاح دولة الإمارات في إدارة أزمة كورونا حتى الآن، فإن هناك ثلاثة تحديات يتعين على الدولة التعاطي معها سواء راهناً أو مستقبلاً. التحدي الأول صحي، وهو ما يسمى "تسطيح منحنى الإصابات"؛ أي الحد من انتشار المرض بحيث يكون منحنى الإصابات مستوياً، ثم تحويل المنحنى إلى تنازلي، حتى قمع الفيروس باكتشاف علاج ناجع أو لقاح له.
وهناك تحدٍّ لا يقل أهمية عن التحدي الصحي وهو معالجة التداعيات المختلفة لأزمة كورونا، خصوصاً الاقتصادية منها؛ فقدرة المجتمعات على الصمود في وجه هذه الأزمة لا تعتمد على الشروط الصحية فقط، بل لابد من إيلاء الأوضاع الاقتصادية أهمية كبرى، وإن كانت دولة الإمارات انتبهت إلى هذه القضية وقامت بمبادرات لتحفيز الاقتصاد ودعم أنشطة البنوك وقطاع الأعمال، وتخفيف العبء والرسوم على الشركات والأفراد، فإن هناك حاجة إلى المزيد من الخطط والبرامج لتخفيف ارتدادات الأزمة على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وعلى الموظفين والعمال في القطاع الخاص الذين ستتأثر مداخيلهم نتيجة لعمليات الإغلاق أو لتراجع نشاط السوق، بحيث تتعزز صورة الإمارات كمكان مثالي وآمن للعمل والتجارة والاستثمار.
أما التحدي الثالث فهو تقييم إدارة الأزمة للخروج باستخلاصات مستقبلية تحفظ أمن الدولة واستقرارها، وتعزز نموذجها التنموي والاقتصادي. فإذا أخذنا في الاعتبار أن الفيروسات التي ترتبط بالإنفلونزا ذات طبيعة متغيرة، فهذا يعني أن العالم ليس محمياً من فيروس مستجد آخر قد يكون أكثر فتكاً، وعليه فإن الدولة مَعنية بالتحسب لمثل هذا السيناريو، من خلال تطوير حوكمتها في القطاعات الإدارية والصحية والتعليمية والاقتصادية.
[1] "الإمارات تتصدر عالمياً في معدل فحوص كورونا"، صحيفة "البيان"، 18 مارس 2020، متاح على: https://www.albayan.ae/across-the-uae/news-and-reports/2020-03-18-1.3806543
[2] هنا يمكن الإشارة بالتحديد إلى دور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وكذلك دور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة؛ وكان لدورهما أثر في طمأنة الناس من تداعيات الأزمة.
[3] "الإمارات تؤسس أكبر مختبر لتشخيص "كورونا" في العالم خارج الصين"، صحيفة "البيان"، 31 مارس 2020، متاح على: https://www.albayan.ae/across-the-uae/news-and-reports/2020-03-31-1.3817529
[4] "محمد بن زايد يؤكد في اتصال مع الأسد دعم سوريا بمواجهة كورونا"، موقع "سكاي نيوز عربية"، 27 مارس 2020، متاح على: https://bit.ly/2Ju77Ox
[5] "الإمارات تجلي عرباً من الصين وتؤمّن رعايتهم في أبوظبي"، صحيفة "العرب"، 5 مارس 2020، متاح على: https://bit.ly/2R6GGTf
مركز الإمارات للسياسات | 16 يناير 2021
مركز الإمارات للسياسات | 14 يناير 2021
مركز الإمارات للسياسات | 13 يناير 2021