انتهت الجولة الثامنة من مفاوضات البريكست، والتي جرت بين يومي 8 و10 سبتمبر 2020، في العاصمة البريطانية، دون تحقيق نتيجة إيجابية، وسط أجواء توتر بين الجانبين الأوروبي والبريطاني، على خلفية اعتزام بريطانيا إقرار مشروع قانون يمكنها من العدول عن اتفاقية البريكست التي أقرت العام الماضي وعلى أثرها تم تحديد الفترة الانتقالية والترتيبات الأولية للعلاقات المستقبلية، لاسيما تجنُّب الحدود الصعبة داخل الجزيرة الإيرلندية، والتي تمثل أهم القضايا المثارة بين الجانبين.
القضايا الأولية
قبل بداية الجولة الثامنة من المفاوضات تركزت الخلافات الأساسية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي في النقاط الآتية:
طبيعة التباينات الراهنة
بدأت الجولة الثامنة من المفاوضات مقرونة بتوتر مرده تبني رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خطاباً عدائياً ضد الاتحاد الأوروبي، مُتهماً إياه بفرض حصار غذائي على إيرلندا الشمالية من ناحية، ثم ظهور مشروع قانون سُمي "قانون السوق الداخلية " من شأنه تمكين الحكومة البريطانية من التنصل والعدول عن بعض التزاماتها في اتفاقية البريكست التي تم التوافق عليها العام الماضي وجرت الانتخابات البريطانية على أساسها في ديسمبر 2019. وقد تَعلَّل جونسون بأن الاتفاقية الحالية للبريكست تُعرِّض إيرلندا الشمالية واتفاق الجمعة العظيمة للخطر[2]، كما أنها جاءت على عجل ودون دراسة كافية لذا يلزم الموافقة على مشروع قانون السوق الداخلية، كونه ضرورياً لمنع الاتحاد الأوروبي من اتخاذ تفسير "متطرف وغير معقول" للأحكام الواردة في اتفاقية الانسحاب المتعلقة إلى أيرلندا الشمالية[3] بحسب تصريحات رئيس الوزراء بوريس جونسون. وهو ما تم بالفعل في جلسة الاثنين 14 سبتمبر، حيث وافق عليه 340 صوتاً مقابل معارضة 263 صوتاً. وفيما يأتي بعض مواد القانون الذي أثار حفيظة الاتحاد الأوروبي:
السيناريوهات المحتملة
إبان عرض الحكومة البريطانية لمشروع "قانون السوق الداخلية" على مجلس العموم البريطاني، اعترض الاتحاد الأوروبي على نص مشروع القانون وأمهل بريطانيا حتى نهاية سبتمبر لسحب مشروع القانون، فيما أعلن البرلمان الأوروبي عدم تصديقه على أي اتفاق تجاري ما لم تسحب بريطانيا مشروع قانون السوق الداخلية. ومن جانبها، أبلغت بريطانيا، عبر وزيرها لشؤون مجلس الوزراء "مايكل جوف"، المفوضيةَ الأوروبية بعدم نيتها سحب القانون، مما دفع المفوضية بالتهديد باللجوء للقضاء ضد بريطانيا لخرقها اتفاقية البريكست.
ومع استمرار الاختلاف بين الجانبين وضيق الوقت المتبقي على الفترة الانتقالية، والتي يلزم قبل نهايتها أن يتم التوصل لاتفاق بحد أقصى في أكتوبر المقبل، يمكن عرض أبرز السيناريوهات المحتملة على النحو الآتي:
1. الخروج بلا اتفاق: إن إصرار حكومة جونسون على المضي قدماً قد يدفع الاتحاد الأوروبي لمقاضاة بريطانيا، ويطرح احتمالية نهاية الفترة الانتقالية من دون اتفاق والعمل بقواعد وتعريفات منظمة التجارة العالمية على غرار الاتفاق بين أستراليا والاتحاد الأوروبي، وهو السيناريو الذي أعلن عنه بوريس جونسون مؤخراً في إشارة منه لنهجه السابق في الخروج بلا اتفاق.
2. تعديل قانون السوق الداخلية: ثمة رأي يشير إلى أن جونسون أراد بقانون السوق الداخلية الضغط على الاتحاد الأوروبي حتى يقدم تنازلات جديدة تُمكِّن بريطانيا من الحصول على وضعية خاصة في علاقاتها المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي كي تحقق مكاسب أكثر عقب خروجها، ومن ثمَّ – وطبقاً لهذا السيناريو - سوف يتم تعديل القانون بما يتوافق مع هذا الطرح.
3. مدّ الفترة الانتقالية: طبقاً لاتفاقية البريكست يُمكِن مد الفترة الانتقالية مع العمل بقواعد الاتحاد الأوروبي كما هي، لاسيما أن إيرلندا الشمالية تظل محتفظة بوضعيتها مع الاتحاد أربع سنوات قابلة للتمديد، وبالتالي من الممكن أن تستمر المفاوضات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي عاماً أو أكثر.
وبموازنة السيناريوهات المطروحة، يمكن ترجيح سيناريو مدة الفترة الانتقالية لمدة عام على الأقل نظراً لصعوبة الخروج دون اتفاق، لاسيما أن ذلك:
أولاً، قد يُؤدى إلى انخفاض في الناتج المحلي البريطاني بما لا يقل عن 8% على مدار العشر سنوات المقبلة.
وثانياً، قد يُعرِّض وحدة بريطانيا لخطر التفكك؛ فعدم وجود صفقة سيدفع القوميين في اسكتلندا على الأرجح للسعي إلى إجراء استفتاء جديد للاستقلال، كما سيعرض اتفاق الجمعة العظيمة للخطر مما يفرض حدوداً صلبة في الجزيرة الإيرلندية تعود بها لتوتر ما قبل 1998.
وثالثاً، يُمكن النظر إلى الضغوط التي يمارسها جونسون بوصفها محاولة للضغط على الاتحاد الأوروبي للوصول لأفضل اتفاق يُميز بريطانيا عن بقية الاتفاقيات الأخرى مع نظرائها مثل النرويج وسويسرا وغيرهما، لذلك فإن زيادة مدة المفاوضات للوصول للشكل الأمثل للعلاقات البريطانية الأوروبية سيكون هو الأرجح؛ إذ إن الطرفين بحاجة لبعضهما البعض.
الهوامش
[1] قواعد مساعدات الدولة في الاتحاد الاوروبي واتفاقية الاعانات لمنظمة التجارة العالمية، تقرير منشور على موقع مجلس العموم البريطاني على الرابط: https://cutt.us/ZwFPB
[2] "جونسون: الاتحاد الأوروبي يهدد بضرب وحدة أراضينا ويسعى لفرض حصار غذائي علينا"، إذاعة مونت كارلو الدولية، 12 سبتمبر 2020، متاح على الرابط: https://cutt.us/nK8vG
[3] "Johnson's controversial Brexit bill clears first Commons hurdle," RTÉ, 14 Sep 2020, available at: https://www.rte.ie/news/brexit/2020/0914/1165013-brexit-politics
[4] نص مشروع القانون متاح على موقع مجلس العموم البريطاني على الرابط: https://commonslibrary.parliament.uk/research-briefings/cbp-9003/
مالِك الحافظ | 23 فبراير 2021
مركز الإمارات للسياسات | 22 فبراير 2021
حمدي بشير | 18 فبراير 2021